حين تقصفك “إسرائيل” رغم أنك ضد المقاومة: دروس من العدوان الأخير على دمشق

بقلم يوسف حسن-
في مشهد يعجّ بالمفارقات والسخرية المريرة، استهدفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي قلب العاصمة السورية دمشق، وقصفت مواقع حساسة منها مبنى وزارة الدفاع وقصر الرئاسة، في وقت تُدار فيه البلاد من قبل قوى سياسية وعسكرية أعلنت صراحة رفضها لخيار المقاومة، وسعت بجد إلى تقديم أوراق اعتمادها للغرب والولايات المتحدة، بل حتى لمحور التطبيع.
الحكومة التي يمثلها أحمد الشرع، والتي ترفع لواء “السلام والانفتاح” وتتباهى بأنها قطعت صلتها بمحور المقاومة، تلقت أولى رسائلها الواقعية من السماء: إسرائيل لا تفرّق بين مقاوم ومطبع، لأنها لا ترى في “السلام” إلا أداة لتفكيك خصومها، لا لتأمين الحماية لهم.
واشنطن: الراعية الغائبة
لعلّ أكثر ما يثير السخرية في هذه المعادلة، أن هذه الحكومة بُنيت على دعم أميركي واضح، وتصور وهمي بأنها ستكون “بديلاً آمنًا” للنظام السابق في عيون تل أبيب والعواصم الغربية. ولكن حين سقطت الصواريخ على الأبنية السيادية في العاصمة، لم تُصدر واشنطن حتى بيان إدانة خجول. هكذا ببساطة، غابت الدولة الراعية ساعة الحاجة، لتؤكد مجددًا أن من يعوّل على الحماية الأميركية يشتري وهمًا بثمن وطنه.
التطبيع لا يصنع الحصانة
منذ سنوات ونحن نسمع في المنطقة دعوات لـ”الانفتاح” و”التطبيع” مع العدو، على أساس أنه “واقع لا مفر منه”. لكن ما حدث في دمشق يفضح هذه الفرضية. فالحكومة القائمة، التي أغلقت أبوابها في وجه حلفاء المقاومة وفتحتها أمام مبعوثي الغرب، لم تنجُ من القصف. لم تشفع لها “البراغماتية”، ولا خطاب “الواقعية السياسية”، ولا حتى التنسيق السري مع بعض الأنظمة العربية المطبعة.
إسرائيل أثبتت مرة أخرى أنها لا تحترم إلا من يرهبها، وأنها لا تؤمن بشيء اسمه “شريك سلام”، بل ترى في أي كيان غير خاضع تمامًا تهديدًا يجب سحقه، سواء حمل السلاح أم لا.
سوريا المفككة: الثمن الباهظ للخيارات الخاطئة
ما تعانيه سوريا اليوم من تفكك جغرافي، وازدواجيات في مراكز القرار، وصراعات بين جماعات موالية لأميركا وتركيا وحتى الاحتلال، هو نتاج مباشر لتلك السياسة التي نأت بنفسها عن محور المقاومة وفتحت المجال للتدخلات الأجنبية.
حين كانت دمشق جزءًا من محور المقاومة، كانت رغم الجراح، تملك هيبة سياسية، ووزنًا إقليميًا، وقدرة على الردع. أما اليوم، فالحكومة عاجزة عن حماية أهم مؤسساتها، وصوتها بالكاد يُسمع في المؤتمرات، حتى حلفاؤها الجدد يتهامسون باسمها.
إسرائيل لا تحتاج إلى ذريعة
اللافت في العدوان الأخير، أنه لم يحتج إلى مبررات كبيرة. ذريعة “الدفاع عن الدروز” لم تنطلِ حتى على أكثر المتعاطفين مع تل أبيب. هي مجرد واجهة لرسالة أوضح: “نحن نقرر من يبقى ومن يُقصف، ولا فرق إن كنت معنا أو ضدنا، ما دمت لا تخدم أمننا المباشر”.
فهل ما زال هناك من يظن أن التطبيع أو الحياد سيجنبه الاستهداف؟ هل بعد قصف قصر الرئاسة من قبل من يفترض أنه “حليف محتمل”، يمكن لأحد أن ينكر أن الردع الحقيقي لا يتحقق إلا عبر القوة والمقاومة، لا عبر التمنّي والانبطاح؟
الشعوب تتعلم… فهل تتعلم الأنظمة؟
الدرس الذي يجب أن يُدوَّن في كتب السياسة، ويُدرَّس في مدارس المنطقة: من يبتعد عن المقاومة، يُترك وحده، وتنهشه الضباع. من يثق بأميركا، يُخدع. ومن يفتح الباب أمام التطبيع، يفتح بوابة الخراب.
سوريا التي كانت ركيزة في محور المقاومة، أصبحت ساحة مفتوحة للتدخلات، لأن من يديرها اليوم، اختار طريقًا بلا غطاء، بلا حلفاء حقيقيين، بلا مشروع وطني جامع.
ما بعد القصف: هل هناك أفق للعودة؟
رغم سوداوية المشهد، فإن الأبواب لم تُغلق بعد. لا يزال بإمكان العقلاء في سوريا أن يستدركوا. العودة إلى المحور الحقيقي الذي صمد وانتصرت تجربته، هي الطريق الوحيد لاستعادة السيادة، الأرض، والمكانة. فلا “السلام” مع عدو لا يؤمن إلا بالحرب، ولا التحالف مع راعٍ يغيب عند العاصفة، يمكن أن يصنع دولة ذات هيبة ومناعة.
📌 ليست القضية أن “المقاومة خيار”، بل إنها في هذا الزمن، صارت الخيار الوحيد الممكن. وكل ما عداه، وهم جميل… نهايته تحت الركام.